يسلط الكاتب عبد الحميد جودة السحار في مسرحيته "الله أكبر" الضوء على الأحداث البارزة والمعارك والهدي التي حملها لنا سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
تبدأ المسرحية بحادثة الفيل التي ذكرها القرآن الكريم، حيث نرى رجالا ونساء وأطفالا يصعدون الجبال في رعب خوفا من جيوش أبرهة.. يدنو رجل عربي من أذن الفيل ويهمس فيها: "ارجع راشدا من حيث جئت، فإنك في بلد الله الحرام".
يتقهقر جيش أبرهة ويسقط جنوده صرعى بمرض الجدري. وينزل أبرهة عن فيله ويحمل في محفة وقد تمدد مريضا، بينما ينظر العرب إلى الجيش المهزوم في دهشة وفرح.
الراوي: أهل الله قاتل الله عنهم وكفاهم مؤنة عدوهم، وأبي الله أن ينتصر أبرهة. فآمنة بنت وهب بين النساء وقد حملت بابنها المبارك محمد بن عبد الله، فلو أن أبرهة انتصر لساقها فيمن كان سيسوق إلى الأسواق ليضرب عليها وعلى ابنها ذل الرق؛ ولكن رب محمد قد انتصر وحماه ليؤدي ما أعده له من رسالة.
مولد الهدى
الراوي: كان سوس الفساد قد نخر شجرة الحضارة حتى اللباب وأخذت البشرية تترنح، وفي هذا الوقت الذي بدا فيه أن لا أمل في الإصلاح ولد محمد بن عبد الله.
يكفله جده عبد المطلب وترضعه حليمة السعدية، ثم تموت أمه آمنة ويكفله جده ولكن الموت يعود ليخطف جده فيكفله عمه أبو طالب.
الراوي: راح محمد يتأمل حال قومه، فإذا به يرى حرية مطلقة وعبودية مذلة للبشرية.. حرية تنخر قلب الوجود، فاعتزل الفساد ليعيش في داخل ذاته.. يتأمل ويبحث ويفكر ويطيل التفكير، وينفذ إلى صميم العالم الخارجي فيحقق بين ذاته وبين الكون ضربا من الألفة والتوافق، بل ومن الحب العميق.، وراح يتعمق في السر الإلهي شيئا فشيئا ..
** مشهد في منزل خديجة بنت خويلد.. جارية تتثاءب وجارية أخرى تنظر إليها.
الجارية: ما هذا التثاؤب؟
الثانية: لم أنم بالأمس. رأت مولاتي خديجة رؤية أفزعتها، فنادتني فمكثت معها حتى عاد إليها هدوؤها وعرف النوم طريقه إلى عينيها.
الجارية: وماذا رأت؟
الثانية: رأت شمسا عظيمة تهبط من سماء مكة لتستقر في دارها وتملأ جوانب الدار نورا، ويفيض ذلك النور من دارها ليغمر كل ما حولها بضياء يبهر النفوس قبل أن يبهر الأبصار.
وتمر الأيام وتعرض السيدة خديجة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يتاجر لها في اموالها لشهرته ب"الأمين" ، ويوافق، ثم يتزوج بها وتصبح سندا قويا له في دعوته إلى الله .
الأنس بالخالق
** مشهد في غار حراء.. أناس من الأحناف يسيرون للتعبد في الغار.
الراوي: وأقبل شهر رمضان وقد بلغ محمد حراء يحس تعطشا تاما إلى الأنس بربه، ومزامير داود في سريرة الكون تنشد: " فاضت الرحمة على شفتيك، من أجل ذلك أبارك عليك إلى الأبد، فتقلد السيف فإن بهاءك وحدك الغالب، واركب كلمة الحق فإن ناموسك وشرائعك مقرونة بهيبة يمينك، والأمم يخرون تحتك".
ونبوءة أشعياء تدوي في جوف الزمن: "عبدي الذي سرت به نفسي، أنزل عليه وحيي، فيظهر في الأمم عدلي ويوصيهم بالوصايا، لا يضحك ولا يسمع صوته في الأسواق، يفتح العيون العمى والآذان الصم ويحيي القلوب الغلف، وما أعطيه لا أعطي أحدا. محمد يحمد الله حمدا جديدا".
الراوي: وجاءت ليلة القدر، وحانت اللحظة التي بشر بها كل الأنبياء، وأتى ملكوت الله الشريعة البيضاء كلام الله على الأرض، فإذا الملائكة تنزل والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر.. وكلف محمد بالرسالة وأصبح وحده بلا سيف ولا أنصار، وصار عليه أن يواجه العالم، أن يعلن على الدنيا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وكانت خديجة أول من آمن به.
بشير ونذير
** مشهد دار الندوة بالقرب من الحرم
أبو سفيان: عرضنا عليه الأموال والشرف والملك.
آخر: فماذا قال؟
أبو سفيان: قال: ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولا وأنزل علي كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا.
الوليد: قلت له: إنا نعرض عليك خصلة واحدة ولك فيها صلاح. تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، فإن كان الذي تعبده خيرا مما نعبد كنت قد أخذت منه بحظك، وإن كان الذي نعبد خيرا مما تعبد كنا قد أخذنا منه بحظنا.
رجل: انتصر واللات والعزى عليك، رضيتم أن تشركوا إلهه مع آلهتكم وأبى أن يشرك بإلهه أحدا.
يرحل عمه أبو طالب، ومن بعده زوجه خديجة سيدة نساء قريش وأم المؤمنين.
** مشهد في الحرم
صوت رجل: أنت الذي جعلت الآلهة إلها واحدا؟
صوت مسلم: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟
الرجل: لم ينل محمدا مثل هذا الأذى قبل موت أبي طالب وخديجة.
رجل آخر: انهار السد الذي كان يحول بينهم وبينه.
** مشهد في الطائف
عبد يا ليل: طرده قومه فلم يجد إلا الطائف لينشر فيه دعوته.
عبد كلال: ألم نقس عليه يا عبد يا ليل؟
حبيب: إني أفرق ثياب الكعبة إن كان الله أرسله.
عبد يا ليل: ما وجد الله أحدا يرسله غيره!
** مشهد في الكعبة ( هنا يهاجر أصحاب محمد للمدينة فرارا بدينهم من قريش )
أبو سفيان: خرج أتباع محمد إلى المدينة ليلحقوا بإخوانهم هناك.
أبو جهل: امنعوهم من الخروج، فلو استقروا هناك سيصبحون خطرا على تجارتنا.
هدية تُبع للنبي
** مشهد الطريق من قباء إلى المدينة ( وهو أول مسجد بني في الإسلام )
أحدهم: صلى رسول الله صلاة الجمعة بقباء وهو قادم إلى المدينة.
أخر: ترى أين ينزل؟
بنو النجار: نحن أخوالك، هلم إلى القوة والمنعة والعزة مع القرابة. لا تجاوزنا إلى غيرنا يا رسول الله.
رجل: ترى أين تبرك ناقته القصواء؟
أخر: انظر. بركت القصواء عند دار سهل وسهيل ابن عمرو.
يهودي: إنه مكان الدار التي بناها تُبع للنبي المنتظر يوم أن جاء إلى المدينة ليقتل أشرافها أخذا بثأر ابنه الذي اغتيل فيها غدرا، ولم يمنعه من الانتقام إلا حبران من اليهود قالا له: إنها مهاجر نبي مرتقب عظيم الشأن، من أرادها بسوء حاق به البوار. فرق قلبه وبني تلك الدار لتكون هدية من تُبع إلى النبي الذي سيهاجر من أمام السيف المسلول، ومن أمام القوس المشدود، ومن أمام شدة الحرب.
** مشهد غزوة بدر
[b]جيش قريش من ثلاثة آلاف مقاتل، وفي مؤخرته النساء.. جيش المسلمين وليس به إلا فرسان وثلاثمائة رجل.
رجل من المسلمين: قال رسول الله: والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة.
** مشهد غزوة أحد
رجل: إن محمدا قد قتل.
الأنصاري: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل، أفلا تقاتلون على دين نبيكم وعلى ما كان عليه نبيكم حتى تلقوا الله شهداء؟
منافق: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا.
أبو سفيان ينادي بأعلى صوته: أين ابن أبي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟ الحرب سجال. اعل هبل.
أحد المسلمين: الله أعلى وأجل.
أبو سفيان: إن لنا العزى ولا عزى لكم.
أحد المسلمين: الله مولانا ولا مولى لكم.
أبو سفيان: ألا إن الأيام دول وإن الحرب سجال.
المسلم: ولا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.
** مشهد.. بنو النضير ( يهود المدينة الذين أرادوا الغدر بالرسول )
أحد المسلمين: سادات بني النضير
أحد اليهود: اخرج إلينا في ثلاثين من أصحابك وليخرج منا ثلاثون حبرا، فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا بك.
أحدهم: أتى محمد وصحبه.
آخر: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل هذه الحالة، فمن رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه؟
** مشهد إحدى دور اليهود في المدينة
رجل: لم تتلفتون؟
أحد اليهود: ننتظر محمدا.
الرجل: رأيته داخل المدينة.
سلام بن مشكم: ألم أقل لكم؟ أتاه الخبر من السماء.
محمد بن مسلمة: يقول لكم رسول الله عليه السلام اخرجوا من بلدي فلا تساكنوني بها، فقد هممتم بما هممتم به من الغدر.
عبد الله بن أبي بن سلول: لا تخرجوا من دياركم وأقيموا في حصونكم، فأنا على ألفين من قومي وغيرهم من العرب يدخلون حصونكم ويموتون عن آخرهم قبل أن يوصل إليكم.
** مشهد حصون بني النضير
المسلمون: الله أكبر.. الله أكبر.. اخرجوا من المدينة
يهود: الموت أهون من ذلك
المسلمون يحاصرون الحصون.. ينزل سلام بن أبي الحقيق من أحد الحصون
سلام: نجلو عن المدينة على أن تكفوا عن دمائنا، على أن لنا ما حملت الإبل من أموال.
الحرب خدعة
** مشهد مسجد الرسول
خزاعي: تعاقدت سادات بني النضير مع سادات قريش على استئصال الإسلام والمسلمين.
أحد المسلمين: أشيروا على رسول الله.
سلمان الفارسي: يا رسول الله، إنا كنا بأرض فارس إذا تخوفنا الخيل خندقنا علينا.
صوت: هذا هو الرأي.
** مشهد الخندق
أبو سفيان في غيظ: والله إن هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها.
أبو سفيان لحيي بن أخطب: لن تستطيع أن تصل إليهم إلا إذا نقض اليهود العهد الذي بينهم وبين محمد.
** مشهد خيام قريش عند الخندق
الريح تهب شديدا. تقتلع خيام قريش. تطفئ النيران. تملأ العيون. تكفئ القدور. الرجال يقعون على أمتعتهم.
أبو سفيان: يا معشر قريش، والله إنكم لستم بدار مقام، ولقد هلك الكراع والخف، واختلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من هذه الريح ما ترون فارتحلوا فإني مرتحل.
عكرمة بن أبي جهل: إنك رأس القوم وقائدهم تذهب وتترك الناس؟
أبو سفيان: ارحلوا.
أصوات: الرحيل.. الرحيل.. لا مقام لكم.
** مشهد في المدينة
رجل: يا رسول الله، هذه قريش قد سمعت بمسيرتك فخرجوا معهم النساء والصبيان قد لبسوا جلود النمور، وقد نزلوا بذي طوي يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا.
أحد المسلمين: رسول الله يقول: من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها؟
رجل: أنا يا رسول الله.
** مشهد جيش قريش خارج المدينة
خزاعي: يا معشر قريش، إنكم تعجلون على محمد. إن محمد لم يأت لقتال، إنما جاء زائرا هذا البيت.
أبو سفيان: وإن كان جاء ولا يريد قتالا، فوالله لا يدخلها علينا عنوة أبدا وإلا تتحدث بذلك عنا العرب.
** مشهد المسلمين خارج مكة عند الحديبية
مسلم: أسرع، إن رسول الله يدعو إلى البيعة.
قارئ: "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما".
الفتح المبين
** مشهد في الحرم
أبو سفيان إلى سهيل بن عمرو: إيت محمدا فصالحه ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا، فوالله لا تتحدث العرب أنه دخل علينا عنوة أبدا.
يعقد صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش.
** مشهد بئر حولها خيام
الخزاعيون أمنون في خيامهم. رجل من بني بكر وسادات قريش وقد شهروا سيوفهم يفاجئون القوم ويقتلون عشرين منهم.
** مشهد الحرم
رجل من قريش يهرول إلى أبي سفيان: ناصرت قريش بني بكر على خزاعة، ونقضوا ما كان بيننا وبين محمد من العهد والميثاق.
** مشهد خارج مكة
جيش المسلمين وقد أوقدوا نيرانا. يأتي العباس ويرى النيران.
العباس: وا صباح قريش! والله لئن دخل رسول الله مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه، إنه لهلاك قريش إلى أخر الدهر.
أبو سفيان: وا صباح قريش والله، فما الحيلة فداك أبي وأمي؟
العباس: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك. فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله فأستأمنه لك.
** في خيمة رسول الله (ص) يعلن أبو سفيان إسلامه ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
** مشهد في مكة
أبو سفيان: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.
هند بنت عتبة زوجه: اقتلوا الخبيث الدنس الذي لا خير فيه.
أبو سفيان: ويحك! اسكتي وادخلي بيتك. ويحكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم، فإنه من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.
أصوات: قبحك الله، وما تغني عنا دارك؟
** المسلمون يتدفقون إلى الحرم ويحطمون الأصنام
أصوات المسلمين: "وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا".
** يصعد بلال على ظهر الكعبة ويعلو صوته بالآذان
[/b]
الأربعاء سبتمبر 16, 2009 1:07 am